أبحاث
مقدمة لم تكن الكتب قديما تقدم في أغلفة جميلة ومصنوعة بشكل باهر، ولم يكن هناك اهتماما بشكل الغلاف والانطباع الذي قد يوصله للقارئ / المشتري. كان القارئ يشتري الكتاب حسب حاجته أو حسب أسباب أخرى، أما مع تطور الطباعة وثورة التكنولوجيا والتصميم ، أصبح الغلاف من أهم الأمور التي يتم أخذها بعين الاعتبار عند طباعة الكتاب. تغليف أو تجليد الكتب عملية تجميع صفحات كتاب بين غلافين من الجلد أو من غيره والتجليد يحمي الكتب من التمزق والتلف، كما يجعلها جذابة وسهلة الاستعمال. وتتفاوت أنواع التجليد مابين تجليد يدوي متقن بالجلود الطبيعية إلى تجليد بالورق. وتقوم الآلات الآن بتجليد أغلب الكتب، وإن كان بعضها مازال يُجَلَّد يدويا. وتجليد الكتب نوعان: الفاخر و العادي. يتم التجليد الفاخر باستعمال الورق المقوّى المغلف بالورق أو القماش أو البلاستيك أو الجلد الطبيعي. وغالبيّة الكتب المجلدة تجليدًا عاديّا التي تُسمَّى الإصدارات الشعبية مغلّفةٌ فقط بالورق.
بدأت فكرة التغليف وحفظ الكتاب عند قدماء المصريين . وذلك بأن الكتب التي كانت هيئة لفافات من البردي أو الورق كانت تحفظ داخل صناديق أو في جرات فخارية وقد تم العثور في المقابر الفرعونية القديمة علي صناديق خشبية مزينة تعود إلي الأسر الثالثة عشر تحتوي علي لفافات من ورق البردي مكتوب فيها نصوص جغرافية وطبية وبعض النصوص الأدبية ولقد اكتشف بالقرب من سقارة جرة فخارية تحتوي علي نصين الأول قانوني والثاني طبي (1) .
وكانت اللفائف أو البرديات تغطي بأغلفة تثبت عليها رقعة مكتوب عليها العنوان واسم المؤلف وتعد هذه هي الفكرة الأولي للغلاف, وحتى ذلك الحين لم يظهر الغلاف الذي نعرفه الآن كورقة خارجية تحمل بعض المعلومات عن الكتاب ومحتواه بالإضافة إلي حمايته ورغم أن ورق البردي كان سهل الصناعة وغير مكلف وذو سطح ممتاز إلا أنه كان قابلا للكسر بل وأنه كان يتحلل تماماً في المناخ الرطب أيضا .(2)
ومع بدايات ظهور الكتاب الكراسcodex في عهد الإمبراطورية الرومانية أصبح الغلاف يتمثل في دفتين من الجلد أو الخشب أو المعدن لحفظ مجموعة قطع البردي أو الأوراق أو الألواح الشمعية التي كان يكتب عليها.
وقد بلغ فن صناعة أغلفة الكتاب شأنا عظيما في العصور الوسطي بسبب حرص الرهبان علي حفظ كتبهم المقدسة ،وكان لمصر منذ القدم دور هام في تطوير التغليف للكتاب ويذكر الجاحظ أن الفضل في تعريف العرب بتغليف المصاحف يرجع إلي الحبشة نظراً للصلة الوطيدة بين الحبشة والأقباط في الديانة (3)
وقد ورثت صناعة التجليد للأغلفة في العصور الإسلامية في مصر التقاليد المستخدمة في الفن الذي عرفه المجلدون في الأديرة القبطية وكانت الأسبقية للزخارف الهندسية والنباتية وقد استعمل الخط العربي خاصة في أغلفة المصاحف .
وطريقة الضغط بعدة أختام بدلا من ختم واحد كما استخدم طرق القطع والإضافة والتذهيب في تجميل الزخارف.
ولم يكن الغلاف يتضمن أي معلومات عن المؤلف أو اسمه بل كان هذه المعلومات تذكر في بداية الكتاب المخطوط أو في نهاية الكتاب ، وانتقلت بمرور الزمن إلي الصفحة الخارجية للكتاب للتعريف بالكتاب وتجميله ، حتى أن بعض الكتب كانت تصدر بدون عنوان حتى مطلع القرن السادس عشر (1).
وكان العرب يحضرون جلد البقر من الحبشة ويستخدمونه في التجليد ،وقد نقل الأوربيون خصائصه عن المسلمين ولا يزال اللسان المعروف في التجليد الإسلامي يوجد في بعض الكتب الأوربية (2).
وتميز العصر المملوكي في مصر بإجادة صناعة جلود الكتب وكان تزخرف جلدة الكتاب غالبا بزخارف هندسية ونباتية مضغوطة . ومن أحسن الأمثلة جلدة كتاب تتوسطها جامة لها زخارف هندسية متشابكة ويزين الأركان أرباع من هذه الجامة (3) شكل ( ) .
وفي العصر العثماني أصاب صناعة التجليد ركود ظاهر واختفت بعد الفتح العثماني الجلود المصرية . وصارت الزخرفة علي جلود المصاحف تزاول بواسطة القوالب لينتج عنها زخرفة نباتية بارزة ، بعد أن كان يستعمل في ذلك المكاوي الحديدية المحماة بالنار وهي التي كانت يستخدمها الفنان بحرية في استخراج زخارف هندسية بديعة يملأها بالذهب الخالص (1).
وكان التجليد في العصور الوسطي أقرب إلي صياغة الذهب والنحت علي العاج حيث كان الغلاف الذي يحفظ المادة المكتوبة مكونا من ألواح خشبية تزين بصفائح من العاج المنحوت أو الفضة أو الذهب البارز وقد يطعم بالأحجار الكريمة وهذه الأنواع لتجليد الكتب الدينية المسيحية التي توضع فوق مائدة الهيكل أما الكتب العادية فكان يستخدم جلود الأبقار والأغنام بعد إعدادها. وتنوعت فكان منها الجلد المطبوع أو الجلد المحفور الذي يحتوي علي الزخارف ، ومع انتشار استخدام الورق في نسخ الكتب زادت العناية بالتجليد واستخدمت القطيفة في تغليف الكتب وبرز في ألمانيا في نهاية القرن الخامس عشر تقنية لزخرفة الكتب بواسطة القرص الدائري الذي كانت تنقش عليه رسوم وأشكال هندسية مختلفة (2).
وقد تميز التغليف قبل القرن التاسع عشر بقوته . ولعل ذلك لأن الكتب كانت نادرة نسبياً ومكلفة حتى استحقت هذه العناية والحفاظ عليها بل و زخرفتها أيضا.
وعندما اخترعت الطباعة في القرن الخامس عشر ثم انتشرت في القرن الثامن عشر ظل الكتاب من مقتنيات الصفوة, وظهور الطباعة لم يؤد إلى ثورة مفاجئة للتغليف لأن الحرفيين الذين كانوا يغلفون المخطوطات ظلوا يغلفون الكتب المطبوعة بنفس الأسلوب القديم وهو تغليف ظهر الكتاب وكعبه المصنوع من الخشب الصلب بأنسجة ثمينة مثل القطيفة والحرير وتزين برقائق الذهب والمجوهرات أحيانا إذا كانت الطبعات مصنوعة من أجل شخصية هامة.
وبخلاف ذلك كان يستخدمون جلد الثور وجلود الخراف والخنازير, كما قاموا بزخرفتها برسوم وزخارف بأشكال متكررة.
وقد تنوعت واختلفت هذه الأشكال من منطقة إلي أخري وحسب موضوع الكتاب نفسه ومن هذه الأشكال الورود والصقور ذات الرأس الواحدة والرأسين والحيوانات من جميع الأنواع كالأسود والزرافات وحيوانات نصفها أسد ونصفها بشر والتنين وكلاب الصيد .
وقد استخدموا أحيانا الأحرف الأولي Imitails للطابع أو الناشر, وحتى عام 1480 استمر التغليف قويا ثقيلا ذو مشابك معدنية مثبتة بالمسامير لحمايتها حيث كانت الكتب تحفظ مسطحه فوق مناضد والكثير من الكتب كانت تغلف في الأديرة في ورش التجليد التي تقع بجوار النساخين وكانت بعض الكتب الأخري تنتج في ورش خاصة كان العاملون فيها علي صلة بالنساخين الذين يخدمون السوق غير الديني وبوجه خاص مكتبات بيع الأدوات المكتبية المجاورة للجامعات.
ويعد عام 1480 بدأ الإحساس بنتائج الطباعة وتضاعفت الكتب المطبوعة وأصبح استخدامها شائعاً وبدأ بعض الأشخاص العاديين في إنشأ المكتبات الخاصة بهم ولم تعد قاصرة علي الأديرة مما ساعد في تقليص عدد ورش التجليد في الأديرة وتقليل أهميتها بينما زاد عدد أصحاب ورش التغليف الخاصة في المدن التي توجد بها جامعات حيث يكون وجود العملاء مؤكداً (1).
وعندما زادت سرعة إنتاج المطابع للكتب كان علي أصحاب ورش التغليف تعديل طريقة عملهم للعمل بشكل أسرع.
وشجعت الطباعة تجار الورق مما زاد من كميات الورق التالف ومنها بدأت فكرة استخدام الورق المقوي للأغلفة بدلا من ألواح الخشب.
وقد كان أرخص ثمنا وأقل وزناً وكان يصنع بلصق عدد من الصفحات معاً مما يزيدها صلابة . وقد استخدمت الأوراق من كل نوع [ أوراق البروفات القديمة – الكتب القديمة والقصاصات والخطابات – الخ ].
وتقدمت عملية زخرفة الأغلفة وزادت سرعتها وقلت تكلفتها هي الأخري عن طريق استخدام ألواح الزخرفة بدلا من زخرفة السطح كله بأشكال دقيقة متكررة مرة بعد الأخري وهو عمل شاق ويتطلب عناية كبيرة ,والطريقة الجديدة كانت عبارة عن ضغط الزخارف مرة واحدة علي الغلاف بالمكواة, وفي فرنسا مثلا كانت الألواح تحوي مناظر من العهدين القديم والجديد والأشكال الخاصة بكتاب الساعات ( book horu ).
كانت الزخارف الذهبية المعروفة في الشرق منذ وقت طويل مستخدمة لدي الإيطالين في نابولي لزخرفة أغلفة الكتب للملك فرديناند ملك Aragon وذلك باستخدام المكاوي الساخنة علي رقائق الذهب أو الفضة ، وعندما غزا الفرنسيون إيطاليا أعجبوا كثيرا بتلك الزخارف الفاخرة وفي الثلث الثاني من القرن السادس عشر تفوق الفنانون الفرنسيون علي سادتهم الإيطاليين فاستخدموا المزايكو المتعدد الألوان والأشكال المتشابكة والمزخرفة بالزهور المرسومة بمواد صمغية بل و أيضا الرسوم الهندسية وذلك للأغلفة ذات الألوان الداكنة ومثل هذه الكتب كانت قاصرة علي الملوك وعدد قليل من الأثرياء الذين لديهم مكتبات في نفس الوقت ظهر التغليف شبه الفاخر حيث أن الطبع علي الساخن استخدم في التغليف التجاري فمنذ عام 1520 كانت تستخدم في التغليف بالرقائق المعدنيةplate work (1)
تطور تغليف الكتاب :-
في بداية تطور الطباعة يكاد يبدو أن رجال الطباعة لم يجرؤوا بما يكفي للاستفادة من المزايا التي توفرها التقنية الجديدة في مجال تغليف الكتاب .
وهذا يعود إلي أنهم في السنوات والعقود التي تلت اختراع " جوتنبرج " كانوا يحاولون الإبقاء علي الكتاب المطبوع مشابها للكتاب المخطوط وذلك حتى لا يثير أى نوع من المعارضة أو الشك لجمهور القراء المعتادين علي الكتاب المخطوط وبالتالي يتجنبوا كساد كتبهم .
أما أوجه الشبه بين الكتاب المطبوع والكتاب المخطوط فكانت في ناحية هامة وذلك أن غلاف الكتاب المطبوع لم يكن يتضمن المعطيات الأساسية مثل اسم المؤلف – عنوان الكتاب .. الخ .بل كانت هذه المعطيات الأساسية ترد في جملة في بداية النص يطلق عليها اسم In cipit حيث يذكر في هذه أنه يبدأ هنا كتاب فلان من الكتاب بعنوان كذا وفي بعض الأحيان كانت هذه المعطيات ترد في الجملة الأخيرة من النص ويطلق عليها اسم " Explicit " ولكن بمرور الزمن انتقلت هذه المعطيات إلي صفحة الغلاف التي أصبحت توضع في بداية الكتاب لتحميه والحفاظ عليه (1).
أما أول من فكر في طباعة صفحة خاصة للغلاف فكان ( ب – شافر) لكتاب فرمان الحملة الصليبية ضد الأتراك الذي أصدره سنة 1463 م. إلا انه لم يستطع الاستفادة من كل مزايا هذه التجديد لذلك يعتبر( ارنولد نرهورس ) هو أول من طبع كتاباً بغلاف حقيقي سنة 1470 م.في كلهن.
ومع هذا فقد جاء الطباع الألماني ( ارهاردر انولد ) ليطبع في فيينا أول غلاف كامل هو كتاب التقويم سنة 1476 م وعلي الرغم من هذا فإن غلاف الكتاب لم يصبح شائعا إلا في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي.
حتى إن بعض الكتب كانت تصدر دون أغلفة حتى مطلع القرن السادس عشر .
ويعتبر ( أفيستر ) من بامبيرغ أول من طبع غلاف كتاب مزين بالصور وذلك خلال العقد السادس من القرن الخامس عشر